كفاءات عُمانية وأهمية توفير فرص عمل

 

 

 

د. علي بن حمدان البلوشي **

 

 

تُمثِّل الكفاءات العُمانية الركيزة الأساسية لبناء مُستقبل مُزدهر ومُستدام؛ إذ إنَّ الاستثمار في الطاقات البشرية يُعد من أهم العوامل التي تسهم في النهوض بالاقتصاد الوطني. وتبرُز الحاجة الملحة لإيجاد فرص عمل لهذه الكفاءات في مختلف المستويات التعليمية؛ بدءًا من حملة الشهادات المهنية والفنية، وصولًا إلى الحاصلين على الشهادات الجامعية والعُليا في مجالات مُتعددة، منها الهندسة بفروعها المختلفة، والعلوم الإنسانية، والعلوم الإدارية، والمهن الحرفية والتقنية.

وتعزيز فرص التوظيف ليس فقط ضرورة اقتصادية؛ بل هو التزام وطني لتحقيق الاستقرار الاجتماعي والنمو المستدام. وتتوزع فرص العمل المتاحة في السلطنة بين القطاعين الحكومي والخاص، حيث يضم القطاع الحكومي مؤسسات ووزارات وهيئات تقدم وظائف في مجالات متعددة مثل التعليم، والصحة، والهندسة، والخدمات العامة، والبحث العلمي. أما القطاع الخاص، فيفتح آفاقا واسعة للكفاءات الوطنية في قطاعات الصناعة، والاتصالات، والبنوك، والسياحة، واللوجستيات، والطاقة المُتجددة، والمشاريع الصغيرة والمتوسطة التي باتت تُعد من أهم محركات التنمية.

ورغم الجهود المبذولة، لا تزال هناك تحديات حقيقية تواجه توظيف الكفاءات العُمانية، من أهمها: محدودية الوظائف الحكومية مُقارنة بعدد الخريجين سنويًا، وضعف المواءمة بين مخرجات التعليم وسوق العمل، مما يؤدي إلى فجوة بين المهارات المطلوبة والمتوفرة، واعتماد بعض مؤسسات القطاع الخاص على العمالة الوافدة بسبب انخفاض الكلفة أو مهارات محددة، وضعف تحفيز القطاع الخاص على توظيف الكوادر الوطنية بسبب غياب الحوافز أو تشريعات العمل المُناسبة.

ولمواجهة هذه التحديات، يمكن اقتراح عدة حلول، منها: تعزيز التدريب المهني والتقني لتهيئة الخريجين لسوق العمل، وإنشاء شراكات استراتيجية بين الجامعات ومؤسسات القطاعين العام والخاص لتحديث المناهج وتقديم التدريب العملي، وتوفير حوافز ضريبية أو تمويلية للمؤسسات الخاصة التي توظف عُمانيين، ودعم ريادة الأعمال وتشجيع الشباب على إنشاء مشاريعهم الخاصة، إلى جانب التركيز على القطاعات الواعدة مثل الطاقة النظيفة، التكنولوجيا، الاقتصاد الرقمي، والصناعات التحويلية.

وتمارس وزارة العمل، دورًا محوريًا في تنمية وتوجيه سوق العمل، من خلال وضع السياسات، وتنفيذ برامج التدريب والتأهيل، ومتابعة تنفيذ نسب التعمين في المؤسسات. كما يضطلع مجلس الشورى ومجلس عُمان بدور تشريعي ورقابي مهم من خلال مناقشة القوانين المرتبطة بسوق العمل واقتراح تعديلات على التشريعات بما يتلاءم مع المستجدات الاقتصادية ومتطلبات المرحلة، إضافة إلى مراجعة الخطط الحكومية لضمان فاعليتها في تقليص نسب الباحثين عن عمل.

إنَّ إيجاد حلول واقعية يتطلب شراكة حقيقية بين الجهات المعنية، ويستلهم الدروس من التجارب الدولية الناجحة. فعلى سبيل المثال، استطاعت سنغافورة تطوير منظومتها التعليمية لتكون متوائمة مع احتياجات سوق العمل من خلال ربط الجامعات بسوق العمل، والتركيز على المهارات العملية. كما تبنت ألمانيا نموذج التعليم المهني المزدوج، والذي يدمج بين الدراسة النظرية والتطبيق العملي في المصانع والشركات، مما أدى إلى انخفاض معدلات البطالة بين الشباب.

ومن جانب آخر يعد التعاون بين مؤسسات التعليم العالي والقطاعين العام والخاص ضرورة ملحة لضمان توافق مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل. ويتطلب ذلك: تطوير المناهج الدراسية باستمرار بالتنسيق مع أصحاب الأعمال، وإدراج فترات تدريب إلزامي ضمن البرامج الأكاديمية، وإنشاء مراكز توظيف داخل الجامعات تعمل على تأهيل الطلاب لسوق العمل، وتنظيم ملتقيات وظيفية وورش عمل مشتركة بين الطلبة وجهات التوظيف.

إنَّ توفير فرص العمل للكفاءات العُمانية ليس خيارًا؛ بل واجب وطني لضمان الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. ويستلزم ذلك تضافر الجهود بين مختلف الجهات، بما في ذلك الحكومة، ومؤسسات التعليم، والقطاع الخاص، والمجالس التشريعية، لوضع وتنفيذ استراتيجيات شاملة، واقعية وقابلة للتنفيذ، تضمن توظيف الطاقات الوطنية بما يُحقق رؤية عُمان المستقبلية في التنمية المستدامة والتقدم.

** أستاذ مساعد بالكلية الحديثة للتجارة والعلوم

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة